تحول شارع الستين الذي يمر بحيي الزهراء والأرمن المواليين للنظام وحيي عشيرة وجب الجندلي الثائرين ضده، من شارع للمطالبين بالحرية إلى مكان لزرع الموت والرعب في قلوب أهالي المناطق والشوارع المجاورة له، سُمي بشارع الموت دلالةً على الخطورة الشديدة التي يمثلها هذا الشارع، باعتباره نقطة تماس -سابقًا- بين الجيش النظاميّ وشبيحته من جهة، وكتائب الجيش الحرّ التي كانت تتمركز في الأحياء المجاورة كـ"كرم الزيتون" و"النازحين" و"عشيرة" من جهةٍ أخرى.. ورغم مضيّ أكثر من سنة ونصف على استعادة الجيش السيطرة عليه، إلا أن هذا الشارع ظل مفتقداً للحركة والحياة، ولا تزال عشرات المحلات التجاريّة والخدميّة فيه مغلقة من قبل أصحابها والبيوت التي تطل عليه محترقة أو مدمرة، وخصوصاً بعد اجتياحه مع حي عشيرة من قبل عشرات الدبابات والمصفحات التي لم تبقِ فيه ولم تذر قبل سنة ونصف.
شهد شارع الستين أول حالة انتفاضة في حمص عندما واجه أبناء حي عشيرة القريب من شارع الستين قوات حفظ النظام التي جاءت لتهدم بيتاً لأحد أبناء الحي وبقيت قوات حفظ النظام أكثر من أسبوع حتى استطاعت إعادة الهدوء للشارع ولمنطقة عشيرة التي انتفضت على بكرة أبيها قبل بداية الثورة، ولكن الألق الثوري لم يتأخر كثيراً بعدها -كما يقول هاني العرفي- أحد أبناء حي جب الجندلي المطل على شارع السنين لـ"زمان الوصل" مضيفاً إن شرارة الثورة الأولى في شارع الستين كانت بعد وقوع مجزرة الصنمين في درعا بساعات قليلة حيث خرج أبناء الأحياء المشرفة على هذا الشارع وهم يهتفون (يا درعا نحنا معاكي للموت) و(الله سوريا حرية وبس)، وخلال ساعات قليلة امتدت المظاهرة إلى الأحياء الأخرى، وعندها حضر شبان من الطائفة العلوية وأغلبهم عناصر أمن ورفعوا صور بشار وقاموا بتوجيه الشتائم للشبان المتظاهرين وتهديدهم مما زاد من عدد الشبان المتظاهرين، وهنا قام الشبيحة بإطلاق الرصاص من أسلحتهم الفردية (مسدسات وكلاشنكوف) باتجاه الشباب المتجمعين عند إشارة الستين فأًصيب عدد منهم.
* سر السيارة بيضاء
في ذلك المساء قام تلفزيون النظام بتصوير سيارة سياحية بيضاء وعدد من المتظاهرين حولها مدعياً أن فيها أسلحة رغم أن التصوير كان ليلياً والسيارة بالكاد ترى. وساد شعور بين الناس أن هؤلاء ليسوا إلا من الشبيحة وأن النظام يحاول من خلال ذلك تثبيت وجهة نظره بأن الثورة السورية مسلحة منذ الشهر الثاني من الانتفاضة السورية.
وحول حقيقة هذه السيارة وخدعة النظام يقول العرفي: كان مجموعة من شبان الحي يتظاهرون في الشارع فجاءت سيارة بيضاء مسرعة من الجهة المقابلة فابتعد الشباب المتظاهرين عن الشارع الرئيسي تحاشياً لها وتواروا في الشوارع الضيقة، وهنا بدأ أشخاص في السيارة بإطلاق النار على كل من يتحرك.
ويردف العرفي قائلاً: تضاربت الأخبار حول من كان بداخل السيارة ومن أين أتوا، ولكن المؤكد أن مدسوسة لتشويه سلمية الثورة، علماً أن قنوات النظام بثت بعد فترة تقريراً مصوراً عن شخص ادعت أنه مسلح كان في السيارة المذكورة علماً أن هذه المظاهرة كانت شبابية وسلمية بكل حيثياتها، والكثير ممن شارك فيها كانوا عبارة عن طلاب ثانوية وجامعات ولكن إعلام النظام روّج بأن المتظاهرون بادروا بالسلاح وهذا عارٍ عن الصحة، بل على العكس تم استهداف المتظاهرين بالرصاص واستشهد يومها شخصان وأصيب العديد من الجرحى.
المراقبون الدوليون لم يمروا من هنا !
شهد (شارع الستين) عمليات قنص غادرة للأهالي العابرين فيه من قبل القناصة المتمركزين في حي الزهراء والأرمن والمهاجرين والسبيل وتزامن ارتكاب هذه المجازر بحق المدنيين في هذا الشارع مع وجود المراقبين الدوليين الذين لم يتجرؤوا على عبور هذا الشارع، ولم يروا ما حلّ بالناس والعائلات هناك" أبو علاء عشيرة يروي لـ"زمان الوصل" كيف فقد ابنته على طريق الموت هذا قائلاً:" خلال إحدى عمليات اجتياح شبيحة النظام لحي عشيرة أخرجت عائلتي هرباً من الرصاص والقذائف وتوجهنا إلى شارع الستين وأثناء عبورنا أصيبت ابنتي برصاص قناص في عينها فتوفيت على الفور وهي بين يدي، وكان هذا القناص شبيحاً طائفياً يتمركز على سطح بناية كبرى قيد الإنشاء في حي الزهراء ويرصد النازحين الهاربين فيتصيّدهم، علماً أن الكثير من الأهالي تم استهدافهم وهم يعبرون هذا الشارع الذي تحول إلى كمائن للموت.
أما "أمينة" وهي طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها فلم تتخيل أن تكون نهايتها على فراش النوم عندما استلقت مع شقيقتها "هبة" 8 سنوات على سرير حديدي من طابقين في منزل أهلها المطل على شارع الستين فباغتتها قذيفة دبابة أطلقها جنود "يتسلون" بصنع الموت لتدخل من شباك منزلها وتحوِّل جسدها الغض إلى أشلاء.