"نوفين حرسان" مغتربة سورية تعيش في السويد منذ عام 1979 لم تسلم من أذى النظام، حيث تعرضت للاعتقال من قبل مخابراته لمرات عدة خلال 30 عاماً رغم أنها تحمل الجنسية السويدية.
سافرت حرسان إلى السويد أواخر السبعينات ونشطت هناك في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة و -المرأة الكردية تحديداً- واستلمت عدة مناصب في الإدارة المحلية والبلدية والمجلس النيابي بمحافظة ستوكهولم كما تم ترشيحها لانتخابات البرلمان السويدي عام 1998من قبل الحزب الديمقراطي السويدي واختيرت امرأة العام من قبل جريدة "اكسبريسن" السويدية في العام ذاته كما أسست في السويد عام 1980 جمعية نساء كردستان التي تضم نساء تجمعهن معاناة الغربة وتكريس حقوق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية.
تنتمي "نوفين حرسان" كما قالت لـ "زمان الوصل" إلى عائلة سورية كردية وطنية، فوالدها كان مناضلاً من أجل حقوق الشعب الكردي والديمقراطية في سوريا، وقد اعتقل أكثر من مرة وأودع في سجون تدمر والمزة والحسكة.
وتضيف: كان منزلنا عرضة للاضطهاد والاحتلال باستمرار من قبل مخابرات النظام، وفي أجواء المدرسة كنا نلاقي صنوفا من الاضطهاد ومصادرة الحق باستخدام لغتنا الكردية الأم.
هذه الأجواء خلقت في داخلي تمرداً وثورة على القيود دفعت ثمنهما غالياً حيث اعتقلت لعدة مرات -أي توقيف وتحقيق- وكان الاعتقال الأول حينما كنت لا أزال في السادسة عشرة من عمري أي كنت طالبة في الصف العاشر بعامودا عام 1975 وجاء هذا الاعتقال بناء على تقرير كاذب يدّعي أنني سببت المخابرات وأنني لا أردد شعارات الحزب في المدرسة.
في عام 1977 قررت مغادرة سوريا إلى السويد ولكن السلطات السورية لم تعطني جواز سفر بسبب حظري واعتباري من الممنوعين من السفر، فاضطررت للانتظار لمدة ستة أشهر حتى حصلت على الجواز بشق الأنفس وغادرت سوريا إلى السويد.
وكشفت أن "الاعتقال الثاني في حزيران 1981 عندما كنت برفقة الصحفيه السويدية (ايفون نناندر) في فرع الأمن العسكري لأنها دخلت إلى المناطق الكردية بدون مراجعة الأمن، ولأن تلك المناطق كانت ولازالت تعيش تحت ظروف الأحكام العرفية".
وحول ظروف هذا الاعتقال وأسبابه تقول حرسان:
جاءت صديقتي الصحفية معي إلى سوريا في حزيران من عام 1981 وقدمت نفسها على أنها معلمة ولم نكن نعرف أن في سوريا حربا ضد الإخوان المسلمين في حماة أو العمل الشيوعي لانعدام التواصل والإعلام آنذاك، وكانت هناك صعوبة في تغطية ما يجري وصعوبة خروج المعلومة من سوريا، وعندما وصلنا إلى دمشق وجدنا أن الوضع لم يكن طبيعياً، وذهبت مع صديقتي السويدية إلى مساكن برزة حيث تقيم هناك صديقة شامية وعندما كنا جالسين قام عناصر المخابرات بتفتيش البيوت المجاورة لبيتها واعتقال العديد من المعارضين، وعندما خرجنا من عندها وجدنا الكثير من عناصر الجيش والأمن ينتشرون بكثافة ملفتة في الشوارع والأزقة ويندسون بين أفراد الشعب، وكنت أسير مع صديقتي السويدية في أحد شوارع الصالحية عندما بدأ هؤلاء بعض العناصر يتحرشون بنا فجن جنون صديقتي لأنها لم تكن معتادة على مثل هذه الحالات، وراحت تشتمهم وتبصق في وجوههم حتى أننا شتمنا "البعث" و"حافظ الأسد" بالذات أما الناس الذين كانوا يتابعون المشهد فأصابتهم حالة من التوتر والاضطراب لأنهم استغربوا أننا نسب الأسد والبعث، وبعد أن تركنا عناصر الجيش الذين كانوا يلاحقوننا ووجدنا أنفسنا وحيدين ركبنا في أول سيارة تاكسي واختفينا عن الأنظار.
وتضيف نوفين حرسان:
ذهبنا بعد هذه الحاثة مباشرة إلى "عامودا" مسقط رأسي لزيارة أبي وأمي هناك، وأخفيت على الجيران والمعارف أن صديقتي صحفية بل معلمة حتى أنها كتبت هذه الوظيفة في فيزا الزيارة، وذهبنا أنا وصديقتي إلى قبور ضحايا حريق سينما "عامودا" فصورنا هناك حالات الناس البائسين والأطفال والشوارع ورأيت سيارة بيضاء تابعة للمخابرات تراقبنا، وعندما عدنا إلى بيت أهلي وجدنا بأن السيارة قد سبقتنا إلى هناك، فهم كانوا يعرفونني جيداً باعتباري من عائلة سياسية، وكل أفراد عائلتي كانوا تحت مراقبة المخابرات في "عامودا"، بل إن إحدى شقيقاتي التي أنهت دراسة القبالة القانونية تم نفيها إلى السويداء أولاً ثم إلى الشدادي في الحسكة بسبب تلفظها بعبارات كردية. ومضت حرسان تقول: أذكر أن والدتي كانت قد أعدت لنا قبل عودتنا إلى المنزل محاشي ويبرق بناء على طلب صديقتي السويدية، ولكن عناصر المخابرات اصطحبونا إلى ناحية عامودا ، وعندما وصلنا إلى هناك كانت صالة البلدية مليئة بعناصر المخابرات وكأننا جئنا لننفذ انقلاباً على الحكم، وعندما دخلنا إلى مدير الناحية قال لنا إن هناك سيارتان تنتظرانكما لتذهبا إلى القامشلي وعندما سألناه، مالذي فعلناه قال إن الأمن هناك يريدكما، وبدأت صديقتي السويدية بالصراخ وبدأت تهددهم بأنها ستتصل بسفارة بلدها في دمشق، وحينما وصلنا إلى فرع الأمن العسكري في القامشلي حوالي الساعة الواحدة ظهراً كان الجو حارا في أحد أيام حزيران 1981 ووضعونا في غرفة صغيرة وبدأ الضابط يحقق معنا ويسألنا: لماذا أتيتما؟ ولماذا تصورون الناس؟ وبدأ يكيل لنا الاتهامات، وبأننا جئنا لإنجاز برنامج للإذاعة السويدية عن معاناة الأكراد، وبدأ يرينا غرف التعذيب في السجن والأدوات المستخدمة كالدولاب والعصا و"الكلاّب" الذي كان تعلق عليه أجساد المعذبين ووسائل الكهرباء التي كانت تستخدم في التعذيب، كانت الغرفة مظلمة ورطبة تنبعث منها روائح كريهة، وأذكر أن هذه الغرفة كانت مليئة بالكتب التي استولوا عليها من أصحابها وأكثرها كانت كتباً إسلامية وكردية وأخرى شيوعية ممنوعة. وكان عناصر السجن يتركوننا من دون أكل أو شرب إلى ساعة متأخرة من الليل.
وأثناء التحقيق كان الضابط يسألنا: لماذا أتيتم إلى هنا ولماذا لا تذهبون إلى الساحل وتدمر ومناطق سياحية أخرى ذكرها لنا فقلت له إن صديقتي جاءت لترى أمي وأبي وتذرعت بأنها خطيبة أخي الموجود في السويد وبعد الإفراج عنا سافرت "ايفون" إلى السويد وبقيت عدة أيام ثم لحقت بها.
* سوريا أكثر ديمقراطية من السويد !
الاعتقال الثالث الذي تعرضت له "نوفين حرسان" كان عام 1986 حينما كانت متوجهة إلى مطار دمشق الدولي، وحول تفاصيل هذا الاعتقال وظروفه تقول حرسان: حينما كنت متوجهة في الكرنك من القامشلي إلى دمشق وأثناء تفتيش الحافلة وجدوا في حقيبتي رواية غابرييل ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) وبداخلها نشرة من بعض الأحزاب الكردية حول ذكرى الإحصاء عندما تم تجريد الأكراد من الجنسية السورية عام 1962 وأذكر أنهم أبقوني في الباص الذي تم اقتياده بمن فيه من الركاب إلى فرع الأمن العسكري في القامشلي وبدأوا التحقيق معي: من أعطاك النشرة ولمن كنت تريدين إيصالها ووضعوني في غرفة صغيرة جداً بطابق أرضي بدون شباك وكانت هذه الغرفة مرعبة تتطاير فيها أنواع غريبة من الحشرات والقوارض التي تتجول في الغرفة بحرية تامة، ورغم أن الغرفة كانت مليئة بالمعتقلين كان الجميع يتحاشون الحديث معي ويكتفون بالتهامس لبعضهم البعض أن هذه جاسوسة، وأذكر أن رئيس الفرع آنذاك "وجيه العلي" وكان من ريف حمص قال لي بالحرف الواحد أثناء التحقيق "ياكلاب ياحقراء ياعملاء, تذهبون إلى أوربا وتكتبون مقالات ضدنا وتؤسسون جمعيات! هل تعرفي أن سوريا أكثر ديمقراطية من السويد ياحقيرة!".
ثم وضع مجلدات كبيرة على الطاولة وقال لي هذه كلها معلومات عنك لذا أطلب منك أن تتعاوني معنا وأن تكتبي تقارير بالناشطين السياسيين والمعارضين الأكراد تحديداً وإلا رأيت ما لا يحمد عقباه، فقلت له ساخرة لقد ذكّرتني بمقطع من مسرحية "كاسك يا وطن" لغوار الطوشة وهنا بدأ بشتمي وإهانتي ودفعني بيديه حتى سقطت على الأرض.
*قطع رؤوس الخونة !
الاعتقال الأقسى بالنسبة لنوفين حرسان كان عام 2003 حين منعت من أن تودع أمها التي كانت على فراش الموت فماتت دون أن تراها وحول ذلك تروي نوفين:
اتصلت بي عائلتي قائلة إن والدتي متعبة على فراش المرض وهي تريد أن تراك، فأسرعت بالسفر إلى سوريا ولم أجد طائرة على الخطوط الجوية السويدية إلى دمشق فاضطررت أن أسافر على خطوط أخرى إلى تركيا ومن هناك دخلت إلى الحدود السورية من خلال بوابة نصيبين وحينما هممت بتسليم جواز سفري فوجئت بالموظف يقول لي إنك ممنوعة من دخول سوريا وتم اقتيادي إلى مخابرات الحدود هناك الذين قاموا بإرسالي مخفورة إلى دمشق وهناك حصلت معي مواقف مؤلمة لا تنسى وأذكر أن العميد "غازي كنعان" بالذات كان يشرف على التحقيق معي من خلال شاشة عرض وكان يمثل عليّ دور الإنسان الحضاري الرحيم واللطيف فيما كان أحد مساعديه الذي يدعى أبو حسين يتفنن في إهانتي وشتمي وكان يتقصد عرض (فيديو مرعب) عن كيفية قطع "رؤوس الخونة" - وهو الاسم الذي كان النظام السوري يطلقه على كل من يخرج عن الطاعة أو لا يروق له- ولم أكن أعرف هل هو غباء منهم، أم كان نوعاً من التخويف وممارسة الحرب النفسية؟ وبقيت أياماً عدة رهن الاعتقال دون أن أعرف تهمتي، وعلمت فيما بعد أن تهمتي هي التصريح لوكالات الأنباء العالمية عن تواطؤ النظام السوري مع حزب الله في عمليات تهريب اللاجئين الأكراد إلى أوربا بين عامي 2001- 2002- إذ كان المخابرات يستولون على بيوتهم في شمال سوريا ويرسلونهم إلى أوربا من خلال بواخر يشرفون عليها ويطلبون منهم أن يقولوا نحن من أكراد العراق فيعطونهم اللجوء في أوروبا- على حد زعمهم - وفعلاً أرسلوا باخرتين إحداهما إلى سواحل إيطاليا والأخرى إلى سواحل فرنسا، وهذا الأمر أحدث مشكلة بالنسبة للأوربيين في ذلك الوقت فأعطيتُ تصريحاً لوكالة الأنباء الفرنسية ووكالة الأنباء السويدية حول هذا الموضوع كما أجرت "اللوموند" الفرنسية لقاء معي حول الأكراد والتعذيب في سوريا كانا السبب في نقمة مخابرات النظام علي واعتقالي لحظة وصولي إلى الحدود السورية.
ونتيجة ضغوط الحكومة السويدية والحزب الاشتراكي الديموقراطي وتدخل السفيرة السويدية في دمشق تم الإفراج عني.
وحول نشاطها في السويد والمناصب التي تولتها تقول السيدة نوفين حرسان:
رشحت للبرلمان السويدي عام 1998 ضمن قائمة الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وتعرضت لإهانات من قبل النازيين الجدد الذين يحاربون وجود المهاجرين، وكانت لي كلمة انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام العالمية حول حقوق المهاجرين كما اختارتني (افتون بلادت) ضمن سبعة أشخاص منحوا جائزة "الشجاعة المدنية" وأثناء الانتخابات تحدث في الراديو والتلفزيون السويدي أنني هربت من دولة ديكتاتورية كانت تمنعني من حق التصويت وجئت إلى السويد لأواجه بفئة عنصرية تحاول أن تمارس نفس الدور الذي مارسته السلطات السورية.